“مقال الزهرة للصخرة” للدكتور رمزي صالحة: رحلة فلسفية تُعيد تعريف مفهوم الواقع من جذوره
هل سبق أن تساءلت: ما هو الواقع الحقيقي؟
سؤالٌ بسيط في ظاهره، لكنه يحمل في طياته لغز الوجود كله. عبر العصور، تاه الإنسان بين الفلسفة والعلم، بين الشرق والغرب، يبحث عن جوابٍ قد لا يكون خارج ذاته أصلًا. واليوم، يعود هذا السؤال بقوة في كتابٍ فريد من نوعه: "مقال الزهرة للصخرة"، للدكتور رمزي صالحة، ليطرح تحديًا وجوديًّا عميقًا يمزج بين الحكمة القديمة والرؤية العلمية الحديثة.
بين الفلسفة والفيزياء الكمومية: هل الواقع موجود خارج وعينا؟
في عالمٍ يزداد تعقيدًا، يطرح د. رمزي صالحة سؤالًا جذريًّا:
"متى تدرك البشرية عقم أسئلتها؟ متى تدرك أنها تطرح الأسئلة الخطأ؟ متى تدرك أنها ليست بحاجة إلى البحث أصلاً؟"
هذا الاستفهام ليس تمردًا على المعرفة، بل دعوة للاستيقاظ من وهمٍ عمره آلاف السنين: وهم أن الواقع شيء خارجي ثابت، مستقل عن إدراكنا.
مع تطور علم الأعصاب والفيزياء الكمومية، بدأت الفكرة التقليدية عن الواقع في التهشم. ويؤكد علماء مثل روبرت لانزا، مبتكر نظرية "البيوسنتريزم" (المركزية الحيوية)، أن:
"الواقع ليس سوى إجراء فاعل متواجد في وعينا فقط."
هذا لا يعني أن الكون غير موجود، بل أن تجربتنا له - بكل ألوانها، أصواتها، وأحاسيسها - هي بناءٌ عقلي داخلي. فما نراه "كخارطة للعالم" هو في الحقيقة إسقاط ذهني تخلقه معالجة الإشارات العصبية في دماغنا.
من شانكارا إلى بيركلي: وحدة الوجود تُعيد تعريف الذات
لا يقتصر كتاب "مقال الزهرة للصخرة" على الإشارة إلى الاكتشافات العلمية الحديثة، بل يغوص في أعماق الفلسفة الشرقية ليُقدّم رؤية أعمق. ففي تعاليم شانكارا، الفيلسوف الهندي العظيم، لا فصل بين الذات والكون:
"أنا الوجود بلا بداية... وعي صافٍ، أساس الظواهر كلها."
وفي الغرب، يلتقي هذا التصور مع فلسفة جورج بيركلي، الذي اختصر كل هذا التيه في جملة خالدة:
"نحن لا ندرك سوى إدراكنا."
هنا، يذوب السؤال القديم "أين الواقع؟" ليُولد سؤال أعمق: "من يختبر هذا الواقع؟".
الكتاب لا يقدّم إجابات جاهزة، بل يفتح بابًا للتأمل، يدعو القارئ إلى التوقف عن البحث في "الأماكن الخطأ"، والالتفات إلى الوعي كمصدرٍ لكل ما نسميه "حقيقة".
لماذا يجب أن تقرأ "مقال الزهرة للصخرة"؟
لأنه يجمع بين الحكمة الشرقية والعلم الغربي في سرد أدبي رفيع.
لأنه يتحدى الفهم السائد للواقع، ويقدّم رؤية تحرّر العقل من أسر الثنائية.
لأنه كتابٌ لا يُقرأ، بل يُختبر — كل صفحة فيه دعوة للعودة إلى الداخل، حيث تبدأ الحقيقة.
الخلاصة: الواقع ليس "هناك"... بل هنا — في وعيك الآن
في زمنٍ نغرق فيه في البيانات والمعلومات، يذكّرنا د. رمزي صالحة بأن أعظم رحلة بحث هي الرحلة إلى الداخل.
"مقال الزهرة للصخرة" ليس مجرد كتاب فلسفي، بل مرآة تُعيد تعريف علاقتك بالوجود، بالكون، وبذاتك.
